"نيويورك تايمز": يهود أمريكا يشعرون بأن وجودهم العلني بات أكثر خطورة

"نيويورك تايمز": يهود أمريكا يشعرون بأن وجودهم العلني بات أكثر خطورة
الولايات المتحدة - أرشيف

شهدت الولايات المتحدة تصاعدًا ملحوظًا في حوادث العنف التي استهدفت أفرادًا من الجالية اليهودية، ما أثار موجة قلق واسعة بين اليهود الأمريكيين من خطورة الظهور العلني بهويتهم الدينية في ظل تصاعد التوترات السياسية المرتبطة بالحرب في غزة.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الاثنين، نفّذ مهاجم عملية عنف في مدينة بولدر بولاية كولورادو استهدفت مشاركين في مسيرة داعمة للرهائن المحتجزين في قطاع غزة، أسفرت الهجمات عن إصابة ثمانية أشخاص نُقلوا إلى المستشفيات، بينما اعترف المشتبه به للمحققين بأنه خطّط للهجوم منذ عام، حسب وثائق المحكمة.

وربط كثيرون بين هجوم بولدر وسلسلة من الأحداث العنيفة التي وقعت خلال الفترة الأخيرة، قُتل اثنان من موظفي السفارة الإسرائيلية بالرصاص أثناء مغادرتهما فعالية بمتحف يهودي في العاصمة واشنطن، قبل أقل من أسبوعين على حادث بولدر، كما أشعل رجل النار عمدًا في مقر إقامة حاكم ولاية بنسلفانيا، جوش شابيرو، وهو يهودي، في أول ليلة من عيد الفصح، بينما كان الحاكم نائمًا مع أسرته في الطابق العلوي.

وحذّرت الرئيسة التنفيذية للمجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي، هالي سويفر، من نمطٍ مقلق يتجلى في "موجة من العنف المعادي للسامية متأثرة بمشاعر مناهضة لإسرائيل"، وأوضحت أن "كل حادث جديد يفاقم من تراجع الشعور بالأمن لدى الجالية اليهودية".

خلفيات سياسية تزيد التوتر

أفادت سلطات إنفاذ القانون في كولورادو وواشنطن بأن المهاجمين رددوا شعارات مثل "فلسطين حرة" في مواقع الهجمات، بينما برر مشعل الحريق في بنسلفانيا فعلته بالرد على القصف الإسرائيلي في غزة.

وأظهرت التحقيقات أن زجاجات المولوتوف التي استخدمها منفذ هجوم بولدر كانت مشابهة لتلك التي استُخدمت في هجوم ولاية بنسلفانيا.

وأبلغ محمد صبري سليمان، المتهم بارتكاب جريمة كراهية فيدرالية في كولورادو، المحققين أنه "كان ينوي قتل جميع الصهاينة"، وفق وثائق المحكمة، في تصريح أطلق تحذيرات أوسع بشأن خطورة التطرف السياسي المتصاعد.

وأفاد شهود بأن أحد المصابين في هجوم بولدر كان من الناجين من الهولوكوست، ما عمّق من وقع الحادث في أوساط الجالية اليهودية، وعبّر كثيرون عن خشيتهم من تصاعد العنف السياسي، لا سيما حين يتخذ شكلًا يستهدف اليهود باسم الاعتراض على السياسات الإسرائيلية.

تحذير من خطاب خطير

أظهرت رابطة مكافحة التشهير أن عام 2023 سجّل أعلى نسبة من الحوادث المعادية للسامية في تاريخ الولايات المتحدة، في أعقاب 7 أكتوبر في إسرائيل، وما تبعها من أحداث.

أطلقت المديرة التنفيذية المشاركة لمنظمة "أوقفوا معاداة السامية في كولورادو"، ستيفاني كلارك، تحذيرًا من أن "الخطاب الخطير يتحول بسرعة إلى عنف فعلي"، وأسّست كلارك المنظمة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، مشيرة إلى أنها لمست تصاعدًا حادًا في حوادث الكراهية في الولاية.

وشهدت اجتماعات مجلس المدينة في بولدر توترًا شديدًا، طالب ناشطون المجلس بتبني قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، ما حوّل بعض الجلسات إلى ساحات للشتائم والتهديدات، بحسب وصف أحد الأعضاء في ديسمبر الماضي.

وكتب الحاخام مارك سولواي، في رسالة مفتوحة إلى مجلس المدينة في فبراير، أنه تلقى تهديدات جسدية ولفظية أثناء اجتماع عام، مضيفًا: "يشعر كثيرون من أفراد الجالية اليهودية في بولدر بانعدام الأمان والدعم".

وأشار إلى أن التهديدات لم تعد مقتصرة على اليمين المتطرف، بل بدأت تصدر أيضًا من جهات تقدّمية كانت تُعد حليفة تقليدية لليهود.

وفي أبريل، نشر أحد الناشطين ملصقًا رقميًا على الإنترنت يظهر فيه أعضاء مجلس المدينة تحت عنوان "مطلوب القبض عليهم"، واتهمهم بالتواطؤ في "الإبادة الجماعية" بسبب رفضهم دعم قرار بوقف إطلاق النار.

استطلاعات الرأي

أجرت اللجنة اليهودية الأمريكية استطلاعًا للرأي في خريف عام 2024 شمل 1732 يهوديًا، أفاد 93% منهم بأن معاداة السامية تُعد مشكلة حقيقية، فيما قال ربع المشاركين إنهم تعرّضوا شخصيًا لتعليقات معادية لليهود، وصرّح 2% بأنهم كانوا ضحايا لاعتداءات جسدية.

ويظل هجوم كنيس "شجرة الحياة" في بيتسبرغ عام 2018 الأعنف في التاريخ الأمريكي ضد اليهود، حين قتل مسلح 11 شخصًا وأصاب ستة آخرين، كذلك نفذ متطرف يميني هجومًا مشابهًا على كنيس في باواي بولاية كاليفورنيا عام 2019.

وأكّد خبراء أن خطر معاداة السامية من اليمين المتطرف لا يزال قائمًا، لكنهم حذّروا من أن زخم الاحتجاجات ضد الحرب في غزة جعل من الصعب التمييز بين انتقاد الحكومة الإسرائيلية والتحريض ضد اليهود عامة.

واتهم منتقدون بعض المحتجين باستخدام شعارات ملتبسة مثل "عولمة الانتفاضة"، التي رأوا فيها تحريضًا على العنف داخل المساحات اليهودية في أمريكا.

وأظهرت مراجعة رابطة مكافحة التشهير السنوية الأخيرة أن 58% من الحوادث المعادية للسامية خلال العام الماضي ارتبطت بقضايا متعلقة بإسرائيل أو الصهيونية.

وأكدت منظمات يهودية عديدة أن الاعتداءات الأخيرة تُقوض أي محاولة للفصل بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، وقد استخدم العديد من النشطاء هذه الحجة لتبرير انتقاداتهم لسياسات إسرائيل في الحرب التي أوقعت أكثر من 50 ألف قتيل، حسب وزارة الصحة في غزة.

وشدّدت الرئيسة التنفيذية للمجلس اليهودي للشؤون العامة، آمي سبيتالنيك، على أن "استهداف اليهود بسبب أفعال إسرائيل يجب أن يُفهم بوضوح ويُدان على أنه معاداة للسامية".

وجعلت إدارة الرئيس دونالد ترامب من مكافحة معاداة السامية إحدى أولوياتها، لكنها كثيرًا ما استغلتها لتصعيد الهجوم على الجامعات وللدفع بأجندة تحد من الهجرة، وقّع ترامب في يناير 2020 أمرًا تنفيذيًا لمواجهة "موجة التمييز المعادي للسامية"، مستهدفًا المؤسسات التعليمية بشكل خاص.

أدان ترامب عبر منصات التواصل الاجتماعي هجوم بولدر، محمّلًا الرئيس السابق جو بايدن مسؤولية سماح الولايات المتحدة بدخول المتهم محمد سليمان، الذي دخل البلاد بشكل قانوني بتأشيرة سياحية، حسب وزارة الأمن الداخلي.

وهاجم منتقدون سياسات ترامب التي رأوا أنها تقوّض مساعيه الظاهرة في التصدي لمعاداة السامية، مشيرين إلى أن قراراته بتجميد التمويل الفيدرالي أثّرت سلبًا على برامج أمنية تموّل حماية المعابد والمؤسسات اليهودية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية